top of page

Letters of al-Bashir

Updated: Apr 7



في الذكرى الرابعة عشرة لرحيل الحبيب الغالي الشيخ محمد بشير الباني. اعيد نشر هذا الكتاب والذي فقدت معظم نسخه المطبوعة على مر السنين. وعلى الرغم من مرور ما يقارب العشرين عاما على صدور هذا الكتاب والتغيرات الفكرية الكثيرة التي مررت بها منذ كتابته، فانه لا يزال يجسد اجمل واعذب لحظات الايمان في حياتي..

***


سواعدُ الوفاءْ مِعراجُ الاصطفاءْ


ومواعظ ٌ شفتِ القلوبَ ِمنَ الذي يرتادُها وشفاؤُها متخيّرُ


***

تتضمن صفحات هذا الكتاب الرسائل التي بعثها لي الشيخ بشير أثناء متابعتي لدراستي الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد قدمت لهذه الرسائل بصفحات يسيرة تتضمن نبذة مختصرة عن حياة الشيخ بشير وعن المبادئ الرئيسة التي تضمنتها هذه الرسائل.


ورغم مرور سنين عديدة على هذه الرسائل إلا أنها لا تزال تتضمن ما بإمكانه أن يقدم مساهمة كبيرة، خصوصاًعلى مستوى تفاعل المؤمن مع إخوته في الإنسانية. فنحن نعيش اليوم في عصر ما أشد الحاجة فيه إلى التمسك برؤية تتنفس من كلمات هذا الحديث الشريف:


الخلق عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله


وبعد، كيف يتسنى لمثلي أن يترجم لمن هو في مقام الشيخ بشير أو أن يشرح آراءه؟ ولولا رغبتي الشديدة في اظهار مدى امتناني لرعايته ونصحه على مدى عشرين عاماً ما كان هذا الكتاب.

د. عمر العمادي

دمشق، 2005

***


نبذة عن حياة الشيخ محمد بشير الباني حفظه الله

ولد الشيخ محمد بشير الباني في عام 1329هـ – 1911م. وهو من أسرة دمشقية يعود أصلها إلى قضيب البان الحسني الموصللي المنسوب، نسباًً وُخلقاً، إلى رسول الله . وحين ولادته كان والده، الشيخ محمد توفيق الباني الذي عُرف عنه الزهد والتصوف، في المدينة المنورة. وعند عودته، قال: أسميته محمد بشير، وكأنه قد اهتدى إلى هذا الاسم أثناء زيارته لمقام النبي . توفي والده وهو في سن الخامسة. وتربى برعاية أخيه الأكبر محمد الباني، الذي كان مديرَ الجريدة الرسمية (التابعة لوزارة المالية آنذاك)، وبرعاية عمه الشيخ محمد سعيد الباني، القاضي الشرعي ومفتي الجيوش العربية في العهد الفيصلي وأحد رجال الإصلاح والنهضة العلمية التي عرفتها سورية في أوائل القرن العشرين، والذي كانت له مؤلفات عدة منها عمدة التحقيق وأحكام الذهب والفضة وتنوير البصائرِ، بسيرة الشيخ طاهر الجزائري.


الشيخ محمد بشير الباني في سن السادسة عشرة



ازدانت حياة الشيخ بشير منذ الصغر برجال ونساء تجردوا لله ووهبوا حياتهم من أجل إعلاء كلمته. فمن الشيخ عيد السفرجلاني، المربي الكبير صاحب مدرسة السفرجلانية (التي كانت تسمى الجقمقية ومكانها الأول بجوار مسجد بني أمية) والذي كان يزرع في أطفال مدرسته حب الله سبحانه، إلى عمته المربية الفاضلة نجلا الباني التي كانت من كبار المدرسات ولها سلوك اجتماعي نادر المثال والتي كان وقتها لا يكاد يخلو من ذكر أو صلاة أو قراءة قرآن، وغيرهما كثير.


وثيقة أوج الكمال التي قدمت للشيخ محمد بشير الباني أثناء دراسته الإبتدائية

الوثيقة مؤرخة: 1346 هـ – 1927م


ولكن الرجل الذي شاءت الأقدار أن يكون سبب تحول الشيخ بشير إلى رجل رباني كان الشيخ محمد أمين كفتارو قدس الله سره العظيم.


الشيخ محمد أمين كفتارو


وكان لقاء الشيخ بشير بالشيخ أمين أثناء دراسته الحقوق، إذ دخل الشيخ بشير جامع أبي النور يبحث عن رجل ما، فإذ بالشيخ أمين يناديه ويقول: تعال، أترغب بأن تأخذ الطريق؟ وهكذا بدأت المسيرة الروحية للشيخ بشير. عاد يومئذ إلى بيته وهو يدرك أن شيئاً ما قد ولد في صدره. وكم سمعت منه كيف جلس في ذلك اليوم يناشد النبي أن يأخذ بيده، وكيف أنه رأى في تلك الليلة رسول الله يمد يده إليه، وكذلك رأى الشيخ أمين وهو محاط برايات خضر ترتفع في السماء. وعند وفاة الشيخ أمين في عام 1938، حدثني الشيخ بشير أنه كان في جامع الباشورة في الشاغور يتهيأ لإلقاء درسه فيه، لكنه أدرك فجأة أن شيئاً ما قد حدث. وكما كان الشيخ بشير وفياَ لشيخه الأول الشيخ أمين، كذلك كان وفياً لسماحة المفتي الشيخ أحمد كفتارو. وكم كانت تمتلكني الدهشة حينما كنت أرى الشيخ بشير الذي تجاوز التسعين عاماً يتحول فجأة حين لقائه بالشيخ أحمد إلى أحد المريدين، لا يرفع صوته ولا يطيل الزيارة خشية أن يثقل على شيخه. ولا أعرف أني رأيت الشيخ بشير يبتسم، على مدى العشرين عاماً التي منّ الله عليّ بصحبته فيها، كما كان يبتسم حينما يسمع من الشيخ أحمد كلاماً مفاده الرضا عن عملٍ أنجزه. وكان الشيخ بشير بحق الساعد الأيمن لسماحة المفتي. وكان غالباً ما يصحبه في أسفاره ولقاءاته مع الرؤساء والملوك وممثلي الأديان الأخرى. وكم روى لي الشيخ بشير كيف أنه استطاع مرة أن يترجم لسماحة المفتي أثناء اجتماعهم مع الرئيس النمساوي، وكيف أنه أثناء رحلة للإتحاد السوفييتي، تخلى عن مصحفه الخاص الذي لازمه منذ الصغر عندما أراد سماحة المفتي أن يقدم مصحفاً لشيخ التقى به في أحد المساجد. بل بلغت محبة الشيخ بشير لسماحة المفتي درجةَ أنه كان يتذكر اللحظة التي قدّم له بها الشيخ أحمد قطعة صغيرة من الحلوى ويكرر عليَّ لمدة أسبوع بعدها تفاصيل هذا الحدث.


الشيخ بشير بصحبة الشيخ أحمد في روما – 1988


وحين توفي الشيخ أحمد في عام 2004 أدى الشيخ بشير الصلاة عليه في الجامع الأموي وأضحى يضم اسمه إلى اسم أبيه الشيخ أمين بعد الانتهاء من قراءة التهليلة أثناء جلسة الذكر مساء كل يوم أحد في جامع الجسر الأبيض.


نال الشيخ بشير شهادة البكالوريا (أولى: علوم وآداب / ثانية: قسم الرياضيات) في عام 1934، ومن ثم تخرج من كلية الحقوق في عام 1937. وحاز على شهادة في التدريس الديني في عام 1938. كما نال شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية في عام 1994 لقاء أطروحة بالقضاء، وفي العام نفسه نال شهادة الدكتوراه الفخرية لقاء خدمة الإسلام لأكثر من خمسين عاماً.


الشيخ بشير (إلى اليسار) مع صديقه الشيخ عبد الرؤوف الأسطواني رحمه الله


عمل الشيخ بشير في القضاء الشرعي والمدني وتنقل بين محافظات متعددة، منها درعا والسويداء ومنطقة الجولان وحلب طوال فترة تزيد على ثمانية عشر عاماً لم يتوقف خلالها عن زيارته الأسبوعية إلى دمشق لحضور درس الشيخ أحمد كفتارو. وعمل في دمشق رئيساً للهيئة الاتهامية ورئيساً لغرفة الجنايات إلى أن عيّن مستشاراً في محكمة النقض (1962) ورئيساً للجنة التحكيم بين وزارات الدولة (1970). كما ألقى دروسه الأخلاقية في عدة مساجد، بما في ذلك مسجد الباشورة (حي الشاغور) ومسجد الأحمدية (سوق الحميدية) ومسجد الشيخ محيي الدين. وناب عن الشيخ أحمد في التدريس في كل من مسجدي يلبغا وأبي النور.


شارك الشيخ بشير في عشرات المؤتمرات والاجتماعات الهادفة إلى إحياء الأمة وتجديد طاقاتها، كالمؤتمر الآسيوي الإفريقي الإسلامي بباندونج (1965)، حيث ترأس اللجنة الاقتصادية، ومؤتمر رسالة المسجد بمكة المكرمة (1975)، ومؤتمر الفقه المالكي في أبو ظبي (1986)، ومؤتمر المائدة المستديرة للحوار الإسلامي المسيحي بفيينا وموسكو، بالإضافة إلى كثير من المحافل الهادفة إلى زرع المحبة والتآلف بين المذاهب الإسلامية المختلفة من جهة وبين المسلمين ومعتنقي الأديان السماوية من جهة أخرى.


سماحة الشيخ أحمد كفتارو يترأس وفد سورية في المؤتمر العام للمنظمة الإسلامية الأفرو آسيوية، إندونيسيا 1965 – ويبدو في الصورة الشيخ بشير الباني في أقصى اليسار



سماحة الشيخ أحمد كفتارو في زيارة إلى الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفييتي تلبية لدعوة رئيس الإدارة الدينية في آسية الوسطى في عام 1968 – ويبدو في الصورة الشيخ بشير الباني في أقصى اليمين



الشيخ بشير الباني مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في حفل أقيم في قصر الضيافة بدمشق


والشيخ بشير أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية الأنصار الإسلامية في دمشق ورئيس لها ما بين سنة 1975- 1981. كما ترأس لجنة إعمار جامع بدر بدمشق، وشغل منصب نائب رئيس لجنة إعادة إعمار جامع أبي النور؛ بالإضافة إلى مساهمته في نشاطات الكثير من اللجان المعنية ببناء المساجد في دمشق.


وبعد أن تقاعد في أواخر السبعينات، ازداد نشاط الشيخ بشير في الدعوة إلى الله، فبدأ بالتدريس في كلية أصول الدين وكلية الدعوة واللغة العربية (مجمع أبي النور التعليمي) بعد أن كان يحاضر في كلية الشريعة في جامعة دمشق. كما ألّف العديد من الكتب مثل: البناء الأخلاقي (1965)، ونظرات في القضاء (1970)، وعبقرية المحدث وفقه الخطيب (1970)، ومنبر الدعاة (1970)، والحج (1971)، والمرشد المجدد (1975)، وحديث رمضان اليومي (1987)، وسراج القلوب: الدر المنضود في معرفة المعبود (2000)؛ هذا بالإضافة إلى الكثير من المقالات في الصحف اليومية والمجلات الدورية (كصحيفة الأيام والعلم والجريدة ومجلة التمدّن الإسلامي). وله الكثير من الأحاديث الإذاعية والتلفزيونية بالإضافة إلى دروسه المنتظمة في جامع الجسر الأبيض (الأحد بعد صلاة العشاء) وجامع بدر (فجر يوم الجمعة) وجامع الشيخ محيي الدين بن عربي (الجمعة بين صلاة المغرب والعشاء) وخطبة الجمعة (مرةً كلَ أسبوعين) في الجامع الأموي.


الشيخ بشير الباني في جامع الشيخ محيي الدين بن عربي



الشيخ بشير مع والدي الدكتور محمد العمادي وابني محمد بشير بعيد انتهاء صلاة الجمعة في الجامع الأموي


تتجسد بالشيخ بشير أخلاق العارف بالله، كما ظهرت به خصال تميزت بها شخصيته عن باقي إخوانه من العلماء. فهو يصر على أن يدرك مريدوه أن حقيقة محبة الله تكمن بتفاعل المسلم مع مجتمعه وزمانه تفاعلاً ينتج عنه ارتقاء بالإنسان إلى مقام التكريم الذي خصه الله سبحانه به (وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ). نعم إن كان للشيخ بشير سمةٌ خاصة فهي إصراره على بذل كل طاقة يستمدها من مناجاة الله تعالى في خدمة أبناء مجتمعه وأمته والإنسانية جمعاء. وكأني أراه وهو يمسك بيد السفير الباباوي بدمشق ويردد باللغة الفرنسية: البشرية تستصرخ العلماء والقديسين، َسنُسأل عن آلام الأطفال والمعذبين. وكأني به وهو يجلس مبتسماً أمام جدتي لأمي، رحمها الله، والتي كانت من أتباع السيد المسيح عليه السلام وهي تقبل لوحة لآية الكرسي التي أهداها إياها. وكأني به يردد على مسامع الرجال والنساء الذين جلسوا في جامع الجسر الأبيض: كيف يمكن لمن كرمه الله أن يهينه أحد؟


ولا ينحصر شغف الشيخ بشير بخدمة أخيه الإنسان في تقديم النصح الروحي والأخلاقي، بل يتعدى هذا إلى نصائحٍ صحية وعلمية ومهنية تعكس علماً واسعاً وخبرةً في كثيرٍ من أبعاد الحياة. فها هو ذا ينصحني بأن أبتعد عن الأغذية والأشربة التي تم حفظها في الأوعية البلاستيكية، وها هو ذا ينصحني بأن أستخدم الأوعية الزجاجية لطهي الطعام، وها هو ذا يحذرني من وضع بقايا الزجاج والمواد الحادة في القمامة حرصاً على ألا يتأذى منها طفل يعبث بيديه في أكياس القمامة أو قطة تبحث عن وجبة غذائها.



الشيخ بشير الباني يصافح قداسة البابا يوحنا بولس الثاني – 1985



سماحة الشيخ أحمد كفتارو وقداسة البابا يوحنا بولس الثاني أثناء زيارته للجامع الأموي بدمشق – 2001، و يبدو في الصورة الشيخ بشير الباني واقفاً إلى يمين الشيخ أحمد

***

قصتي مع رسائل الشيخ محمد بشير الباني حفظه الله


مع الشيخ بشير في عام 2001


في ليلةٍ من ليالي عام 1976 رأيت نفسي واقفاً في صحراءٍ كبيرة. وعلى مسافةٍ قريبةٍ مني شجرة كبيرة. وعندما بدأت أقترب منها، فاجأتني آلاف العقارب. فوقفت حائراً، لا أدري كيف أصل إليها. وإذ بي أرى من على يميني شيخاً تزين رأسه عمامة بيضاء يشير إليّ بيديه أن أفعل هكذا وهكذا – يدلني على الدرب الذي من خلاله أستطيع أن أصل إلى الشجرة من دون أن تؤذيني العقارب. أُهديت تلك الرؤيا وأنا في العاشرة من عمري، وبعد مرور ما يقارب تسع سنوات طرقت باب الشيخ محمد بشير الباني لأبلغه رسالة كان قد أوصاني أحد أقاربه بإيصالها إليه. وما أن فُتِحَ الباب حتى أدركت أني أمام ذلك الرجل الذي ما كنت أعتقد أنه سيتجسد يوماً في عالم الواقع. وقد شاءت الأقدار أن تبدأ قصتي مع الشيخ بشير أثناء دراستي الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية. فعلى مدى ثماني سنوات وإلى أن نلت شهادة الدكتوراة في أواخر عام 1993، كنت لا أرى الشيخ بشير إلا أثناء سفري غير المنتظم لدمشق، وذلك باستثناء رؤيتي للشيخ بشير أثناء زيارته مع وفد من علماء دمشق إلى الولايات المتحدة في كانون الأول عام 1990. ولعل أعذب لحظة منّ الله تعالى بها عليّ أثناء إقامتي في أمريكا، كانت تلك اللحظة التي وقفت بها أمام آلاف الطلاب في جامعة بنسلفينيا لأقرأ عليهم ولمدة حُددت بدقيقتين كلمة بمناسبة حفل التخرج السنوي. وقد قرأت عليهم يومها كلمات كنت قد سمعتها من الشيخ بشير أثناء إحدى زياراتي له في بيته:


دار الحوار التالي بين الشيخ بشير الباني، خطيب الجامع الأموي بدمشق، وأحد مريديه:

سيدي كيف أكون؟

كن يا بني كالماء!

كالماء؟

نعم كن واسعاً كالماء.

ألا ترى كيف أنه لا يُمّيز حين يتساقط بين قصور الاغنياء واكواخ الفقراء؟

كن ليناً كالماء.

ألا ترى كيف أنه يرضى بأن ُيسكبَ في أوعية مختلفةٍ أشكالها من دون أن ُيبدل تركيبه؟

كن نقياً كالماء.

ألا ترى أنه مهما ألُقيت في البحر من أوساخ، فإنه يبقى طاهراً مُطهراً؟

كن حكيماً كالماء.

ألا ترى أنه إذا ما اشتد الحر، ودّع أهل الأرض وانطلق نحو السماء، ثم سرعان ما يتكثف ويعود حينما تنخفض درجة الحرارة؟

كن صبوراً كالماء.

ألا ترى كيف تندفع الأمواج نحو الصخور قرناً بعد قرن إلى أن تترك أثراً فيها؟

كن ودوداً كالماء.

ألا ترى كيف يُقبّل الندى الأرضَ كل صباح؟

وكن متواضعاً كالماء.

ألا ترى كيف أنه حين يسقط من السماء يُسارع إلى الاختفاء في جوف الأرض؟

ثم نظر الشيخ بشير الباني بعيني مريده وتلا:

وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ


بعد الإنتهاء من إلقاء كلمتي، أقبل علي الراعي الروحي للجامعة وقال لي: أعترف أنني لم أكن أعلم ماذا أتوقع، بل كنت خائفاً بعض الشيئ لكونك أول مسلم نطلب منه أن يتكلم في هذا الحفل. ولكني أتمنى الآن لو أني كنت أنا الذي كان يسأل الشيخ بشير الباني.

***

لقد لعبت الرسائل التي كان يرسلها لي الشيخ بشير دوراً كبيراً في بناء الوعي الروحي لدي. ولا أبالغ إن قلت بأني قرأت هذه الرسائل عشرات المرات، بل كنت أقرأها على كل من يقبل الاستماع إليها.


وكيف لا؟ وهاهوذا الرجل الذي يكبُرني بأكثر من خمسين عاماً ويكبُرني قلباً وقدراً بأكثر من خمسينَ سنةٍ ضوئية يكتب لشاب لم ينل بعد الشهادة الجامعية هذه الكلمات:


ومازالت زياراتكم المتكررة لداري لها موقع الصدارة في نفسي وقلبي …

وفي الختام أقدم لكم شكري على زياراتكم ومودتكم ومحبتكم وكم أشعر بتقصير عندما كنتم تشرفوننا بالدار ولم نقم بالواجب كما ينبغي …

شوقي لمكاتبتكم ليدفعني أن أسأل الله العلي القدير بأن يجعل من كلماتي المرسلة اليكم موضع القبول لديك …

وفي الختام وبصراحة أقول لكم: نحن في ظمأ لرسائلكم …

ورسالتكم أقرأها أكثر من مرة ولها موقع الصدارة في نفسي ورأيت من الواجب أن لا أتأخر في ردّ الجواب وأنا في السرير أخذت القلم وحررت لكم هذه الكلمات الموجزة …

فقد ذكرتكم في أحب البقاع إلى الله عقب صلاتي وعبادتي ورجوت الله العلي الكبير أن يرافقكم التوفيق والعناية وأن تنجحوا في رسالتكم الدكتوراة بتفوق وإن شاء الله سيتحقق لكم ما ترجونه …


وهاهوذا الرجل الذي يستمع إليه بشغفٍ كبار قادة العالم السياسيين والروحيين، يختم رسائله لي بهذه العبارات:

المحب محمد بشير الباني

أخوكم محمد بشير الباني

أخوكم في الله محمد بشير الباني


وكنت أستلهم من هذه الرسائل الكثير من المبادئ الروحية التي كانت تُعينني على أن أُمثل أُمتي أجمل تمثيل. ولعل من أهم هذه المبادىء ما يلي:


لا تنسَ لماذا أنت هناك

ما أكثر ما كان الشيخ بشير يُذكرني بأهمية النية القلبية. وكان يردد علينا أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتعلمون النية من الرسول كما كانوا يتعلمون العمل، وأن ربنا سبحانه هو رب النيّات. وهكذا نرى الشيخ بشير يُذكرني في رسائله بأني:

في طلب العلم وطالب العلم تمدّ الملائكة أجنحتها وتبسطها له رضاءً بما يصنع وذلك إذا نوى بطلب العلم رضاء الله وخدمة خلق الله …


ويذكرني، في الوقت نفسه بما ينبغي عليّ اجتنابه:

وليسوا سواءً من يحاولون هدر الوقت وراء الإسراف في العادات السيئة و من يكدح للوصول إلى الثقافة المعاصرة محتفظاً لنفسه بالجوانب الأخلاقية والعلمية والسّير الحكيم …


وكم كنت أُسر حينما كان يخاطبني الشيخ بشير بكلماتٍ مفادها احترامه الشديد لما يمكن أن يتعلمه المؤمن من الحضارة الغربية. ولم يكن تقديره محصوراً بالعلم التقني أو التكنولوجيا، بل كان أوسع من ذلك بكثير. وكم كان يردد بُعيد عودته من رحلته إلى أمريكا كيف أنه لاحظ أن الجميع هناك يبتسمون لك ويُلقون السلام على من يعرفون وعلى من لا يعرفون، وكيف أنهم يكتشفون الغريب بينهم لأنه لا يبتسم ولا يُسلّم. وهو في هذا التفاعل كان يجسد انعكاساً صادقاً لأحاديث النبي التي تشجع على اقتناء الخير أينما وجد. وها هو ذا الشيخ بشير يكتب لي في إحدى رسائله:

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها … ويقول: نِعمَ المجلسُ مجلسٌ ينشر فيه الحكمة … ويقول: ليس هدية أفضل من كلمة حكمة …


ويطلب مني في رسالةٍ أخرى أن أُرسل له:

… بعض الانطباعات عن التطور الصناعي والاجتماعي بمقدار ما تسنح لكم الفرصة، فتلك نجوم من المعرفة تعطي الدعاة قوة على فهم روح العصر …


لا تنسَ ما الذي يُمّيزك

وإن كان الشيخ بشير يقدر ما بإمكاننا أن نتعلمه من الغرب، فهو على وعي شديد بما يجب أن يتمييز به المؤمن عن أبناء الحضارة المادية:

فالإنسان المعاصر الغافل عن التفكير في النعم ومعرفة المنعم يتعرض يومياً لضجيج المدنية المعاصرة ولا تراه إلا مصاباً بالقلق والهم والتوتر والأعراض النفسية والضعف المتواصل في حل قضاياه …


أما المؤمن فلابد له من أن يبرهن على صدق محبته لله سبحانه بمدى اطمئنان نفسه لما يُرضي الله. تلك الطمأنينة التي تتجلى على وجهه وتجذب الخلق إليه، فيطمئنون للجلوس معه لإطمئنان قلبه للجلوس في معّية الله سبحانه: أنا مع عبدي إذا ذكرني وتحركت بي شفتاه.


وهكذا كان الشيخ بشير يؤكد عليّ أهمية السلوك الاجتماعي الأمثل وهجران من أصيبوا بداء الاضطراب والقلق:

فأحباب الله وأصفياؤه والرسل الكرام والمقربون يتمتعون براحة نفسية واطمئنان قلبي إلى الحد الأقصى.


وهذا المقام الذي يشير إليه الشيخ بشير هو مقام يصْعُبُ الوصول إليه وتصْعُبُ المحافظة عليه:

وهذه العلل قد تصيب الإنسان بصورة تدريجية من جلسائه ومن أصدقائه بحيث لا يفطن أحدنا إلى آثار مجالستهم. لذلك فالشيئ الهام الذي يغسل آنية النفس ويمد الإنسان بالطاقة هو الإيمان، هو الحب لله، هو الامتثال والطاعة لما أمر به الشارع الكريم والتنزه عمَّا نهى عنه وزجر، هو الشوق إلى ذكر النعم وذكر المنعم.


وبعد، سأدعُك الآن أيها القارئ الكريم مع رسائل الشيخ بشير، راجياً أن تحملك كلماته إلى حيث كانت وما تزال تحملني، بل لعلك أيضاً تكتشف معانيَ وحكماً كانت غائبةً عني.

والحمد لله رب العالمين.

***

1الرسالة (1)

الرسالة مؤرخة: 8 رجب 1406 / 18 آذار 1986.


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

لحضرة الأخ في الله السيد عمر العمادي المحترم حفظه المولى آمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد، فقد تأخر وصول أي تحرير من يدكم يعلمني عن وصولكم، ولكن بلغني الاطمئنان عن سلامة الوصول من هاتف هتفته شيقيقتكم الكريمة لدار والدكم الكريم. وما زلت أترقب وصول تحرير من طرفكم وأكون ملزماً بالجواب. وإن الرسائل إذا توالت وتتالت تعطي انطباعات عاطفية لها أثرها في تغذية الروح والنفس.

وما زالت زياراتكم المتكررة لداري لها موقع الصدارة في نفسي وقلبي لأنها كانت هادفة العلم والتعلم وامداد الروح والقلب بدفء المحبة لله وهداية القلب إلى سعادة الدنيا وعز الآخرة. لقد كانت الجلسات في مختلف الأوقات تحمل طابع لقاء المؤمن مع المؤمن ابتغاء رضوان الله وكانت تذكرني بهذا الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله :

من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً

فالمراد من ممشاك أي خطواتك. وهذا الحديث يشابه معنى حديث آخر عن أنس رضي الله عنه عن النبي قال:

ما من عبد أتى أخاه يزوره في الله إلا ناداه ملك من السماء أن طبت وطابت لك الجنة وإلا قال الله في ملكوت عرشه: عبدي زار فيََّ وعليّ قراه؛ فلم يرض له بثواب دون الجنة

فمؤدّى ذلك أن خطواتكم مقرونة بالتوفيق والبركة والخير إن شاء الله ويتبعها إكرام الله وإحسانه إليكم وإلى من زرتموه فضلاً من الله. ورأيتم كم كان يحصل لنا سرور وانشراح. وهكذا صحبة المؤمنين فيها سعادة دائمة ولها آثارها في الدنيا والآخرة.

ولو فتشنا عن مثل هذه الزيارات لوجدناها تمد القلب بما هو أغلى من الدرّ والجوهر لأن المال يبقى في عالمنا الدنيوي أما ذكر الله، أما محبة الله، أما تقوى الله فكلها رساميل الدار الآخرة. عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول:

قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيََّ ، وللمتجالسين فيََّ وللمتزاورين فيََّ وللمتباذلين فيََّ

وًعن بريدة رضي الله عنه عن النبي قال:

إن في الجنة غرفاً ترى ظواهرها من بواطنها، وبواطنها من ظواهرها، أعدها الله للمتحابين فيه والمتزاورين فيه والمتباذلين فيه

وفي الختام أقدم لكم شكري على زياراتكم ومودتكم ومحبتكم وكم أشعر بتقصير عندما كنتم تشرفوننا بالدار ولم نقم بالواجب كما ينبغي وسلامي للجميع ومن تذكرونني عنده.

سلمكم الله وحفظكم وحفظ أحبابكم مع عاطر التحية لكم وللجميع وإلى تحرير مستقبل.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمد بشير الباني

***

الرسالة (2)

البطاقة مؤرخة: 3 ذي الحجة 1406 / 18 آب 1986.


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

لحضرة الأخ في الله السيد عمر العمادي المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد، فإنني أغتنم مناسبة عيد الأضحى المبارك لأهنّئكم به أعاده الله عليكم وعلى الأهل بالخير واليمن والبركة سائلاً الله العلي القدير لكم زيادة التوفيق وأن يردكم إلينا سالمين غانمين وقد فزتم بأعلى درجات النجاح في دراستكم. وقد قال أحد الحكماء:

أي معجزة أعظم بالنسبة إلى الابن من مجد أبيه … أو بالنسبة إلى الأب من سلوك ابنه المشرف.

وفي الختام أكرر التحية لكم وللأهل الكرام وسائر الأحبة.

والسلام عليكم.

المحب محمد بشير الباني

***

الرسالة (3)

البطاقة مؤرخة: 1406 / 1986.


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

لحضرة الأخ في الله السيد عمر العمادي المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد، فقد تيسر لي حضور المؤتمر للفقه المالكي في أبو ظبي وذكرت شوقي اليكم وكم تمنيت أن أعرف عنوانكم لأرسل لكم هذا الكتاب فعدت لدمشق وتأخرت تحاريركم لا سيما ورمضان المبارك ببركاته يشملنا فقلت في نفسي : أكثر لك الدعاء بزيادة التوفيق وأن يجعل النجاح حليفك وأن يسرك بأهلك، فذلك الدعاء هو بيني وبين ربي ودعاء المؤمن لأخيه بالغيب عنوان وفاء.والحديث الشريف:

دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب لا يرد

والحديث:

دعوتان ليس بينهما وبين الله حجاب دعوة المظلوم ودعوة المرء لأخيه بظهر الغيب

وفي الختام سلامي العطر إلى الأهل الكرام.

أخوكم محمد بشير الباني

***

الرسالة (4)

البطاقة مؤرخة: 1 شوال 1407 – 28 أيار 1987.


لحضرة الأخ في الله السيد عمر العمادي المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يطيب لي أن أقدم لكم ولأحبابكم أطيب التهنئة بعيد الفطر السعيد أعاده الله عليكم وعلى أحبابكم وعلى الأهل الكرام باليمن والبركة سائلين المولى الكريم أن يحفظكم ويمتعكم بالصحة والقوة وأن يتحقق لكم السبق في الدراسة.

مع التوفيق وسلام أسرتي أم عبد الله إلى أسرتكم الكريمة حفظكم الله جميعاً.

محمد بشير الباني

***

الرسالة (5)

الرسالة مؤرخة: 12 تموز 1987 / 15 ذي القعدة 1407.


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

لحضرة الأخ في الله السيد عمر العمادي حفظه المولى آمين وبعنايته تولاه ورعاه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد، فقد وصلني من يديكم الكريمة أكثر من بطاقة ولكن احتباسها في البريد جعلها تصل دفعة واحدة مما جعلني أتأخر عليكم في رد الجواب سيما وكنت على سفر لأحد المؤتمرات بدعوة رسمية.

وشوقي لمكاتبتكم ليدفعني أن أسأل الله العلي القدير بأن يجعل من كلماتي المرسلة إليكم موضع القبول لديك ولدى أصدقائك.


إنَّ من مِنَن الله علينا جميعاً أن هدانا إلى حب العلم والتعلم والازدياد من المعَرفة والارتقاء على معراج الإيمان لنزداد من الأخلاق الفاضلة.

فدوماً أقول في نفسي لنفسي فكرّ واشكر. فكرّ فيما أعطيت ِمن نعمٍ واشكر الله على ما وهبك.

إن تسعين في المئة من أمورنا يسير وفق كل ما نصبو إليه ويسير في تحقيق أهدافنا وعشرة في المئة فقط تكتنفها وتحوط بها عوائق وصعاب فإذا أردت أن تكون سعيداً ومسعداً فركز على هذه التسعين في المئة من أمورك، وكرر الشكر الجميل، واجعل الفكر الإنشائي السعيد لتجعل العشرة في المئة الباقية في طريق الحل السديد.

أما إذا أخذت نفسك بالقلق وجعلت الشكاية هي الأصل تكون قد شحنت حياتك بضيق وضجر وَحولت حياتك إلى يأسٍ لا داعي له وأغفلت الثروة الوفيرة من الراحة النفسية التي تملكها.

أقول لو سأل سائل أي فرد، لجليسه مثلاً، لزوجته، لجاره، لقريبه: أتبيع عينيك اللتين منحك الله إياها وتبصر بهما الأشياء على حقيقتها، أتبيعها مقابل مليون ليرة؟ فيقول لا، قل: كم من الثمن ترى يكفيك مقابل السمع؟ بل عندما تمشي على ساقيك وقدميك كم لذلك السير من عطاء ومنافع. فالإنسان المعاصر الغافل عن التفكير في النعم ومعرفة المنعم يتعرض يومياً لضجيج المدنيّة المعاصرة ولا تراه إلا مصاباً بالقلق والهم والتوتر والأعراضِ النفسية والضعف المتواصل في حل قضاياه.

وهذه العلل قد تصيب الإنسان بصورة تدريجية من جلسائه ومن أصدقائه بحيث لا يفطن أحدنا إلى آثار مجالستهم. لذلك فالشيىء الهام الذي يغسل آنية النفس ويمد الإنسان بالطاقة هو الإيمان هو الحب لله، هو الامتثال والطاعة لما أمر به الشارع الكريم والتنزه عن ما نهى عنه وزجر، هو الشوق إلى ذكر النعم وذكر المنعم؛ فأحباب الله وأصفياؤه والرسل الكرام والمقربون يتمتعون براحة نفسية واطمئنان قلبي إلى الحد الأقصى.

وأضرب لك مثلاً أنت تعلم أن سيدنا موسى صلوات الله عليه وعلى سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين قال له قومه:

إِنَّا لَمُدْرَكُونَ

أي تبعهم فرعون وجنوده فصار فرعون من ورائهم حتى تكاد الأسلحة تفتك بهم كما أن البحر قد صار أمامهم فأصبحوا بين أمرين كل واحد من الأمرين هلاك محتم فبماذا أجاب سيدنا موسى:

كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ

فأوحى الله إليه:

وفي نهاية الأمر كما وصف ربنا سبحانه:

اقرأ سورة الشعراء وسورة الأنبياء في الجزء السابع عشر من القرآن الكريم ترى ما يغني عن الشرح الكثير وتلمس لمس الواقع العملي والتصويري لواقع نجاتهم من كل هلكة وعند ذلك يردد المؤمن بلغة الإيمان هذه الآية الكريمة في سورة يوسف:

لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

بموجز من القول: الإحسان إلى الناس ومساعدة الضعفاء وتقديم العلم لأهله يكتسب المؤمن بذلك وضوح الرؤية لما أنعم الله به عليه فيزداد شكره، ويقلّ ضجره، ويعيش هادىء البال.

وكما قيل: على العاقل أن يجالس أهل الحكمة حتى يصيروا الحراس على سمعه وبصره وعلى رأيه ويعلم أنهم لا يغفلون عنه إذا هو غفل عن نفسه كما أن على العاقل الحكيم أن لا يشغله شاغل عن ساعة يرفع فيها حاجته إلى ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة لمعلمه، (وساعة لأهله، لاستجمام النفس) والله الموفق.


وفي الختام أقدم خالص محبتي لكم ولأحبتكم والسلام العطر لأهلكم الكرام وسلام عائلتي أيضاً وسلامي لمن تذكروننا عنده من أصدقائكم.


أكرر شكري لرسائلكم زادكم الله توفيقاً وهيأ لكم النجاح في دراستكم إنه سميع قريب مجيب.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخوكم في الله

محمد بشير الباني

***

الرسالة (6)

الرسالة مؤرخة: 1407 / 1987.


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

لحضرة الأخ في الله السيد عمر العمادي المحترم حفظه المولى وبرعايته تولاه آمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد، فقد وصلني ثلاث بطاقات بوقت متقارب وفاصلة زمنية قصيرة بينها؛ وآخر بطاقة مؤرخة 13/3/1987 وشكرت الله العلي القدير أن يسّر الله لكم السفر وحباكم التوفيق والعناية وكم كانت لنا جلسات فيها العلم وطمأنينة النفس وشوقها للأعمال النبيلة الكريمة في خدمة الخلق وعندما أنهينا الجلسة رجوت قريبكم ابن عمتكم أن يبلغكم شوقنا ومحبتنا ريثما يتيسر لي بعض الوقت لأسطّر لكم بعض الكلمات ولا أعلم إذا كان قد أرسل اليكم بطاقة حتى الآن أم لا؟ كما أن أويسعند سفره رجوته أن يتصل بكم هاتفياً ويبلغكم شوقنا ومحبتنا وتقديرنا لزياراتكم اللطيفة. وبعد عودته أبلغني صحتكم الغالية ورد سلامكم العطر.

وأنا أرجو دعواتكم لأنكم في طلب العلم وطلب العلم تمدّ الملائكة أجنحتها وتبسطها له رضاءً بما يصنع وذلك إذا نوى بطلب العلم رضاء الله وخدمة خلق الله. وأنتم أهل إن شاء الله للزيادة من كل خير.

وأعذب السير وأرضاه للضمير الحيّ والوجدان الطاهر أن تقيس الناس بنفسك فلا تأتي إليهم إلا ما ترضاه أن يؤتوه إليك والبشرى في ذلك حديث الرسول الكريم صلوات الله عليه القائل:

صنائع المعروف تقي مصارع السوء

والقائل أيضاً في حديث مطول وبعضه:

… والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه

وفي الحديث الشريف أيضاً:

إن لله خلقاً خلقهم لحوائج الناس ، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله

وإن رجلاً جاء إلى رسول الله فقال: يا رسول الله أيّ الناس أحب إلى الله فقال:

أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس …

فالثمرات التي ينالها هؤلاء في قضاء مصالح الناس لها آثارها في مستقبل حياة الإنسان فهنيئاً لمن زرع الخيرات الحسان فسيحصد ما كان زارعاً. والشاعر يقول:

سيحصد عبد الله ما كان لله زارعاً فطوبى لعبد كان لله يحرث

إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً ندمت على التفريط زمن البذر

والحكيم من الناس من يحسن تقدير أمر معاشه ومعاده (يعني آخرته) تقديراً لا يفسد عليه واحداً منهما فإن أعياه ذلك رفض الأدنى وآثر عليه الأعظم مثوبة وأجراً.

ومما يدل على علم العالم معرفته بما ينبغي فعله وما ينبغي الإمساك عنه وتزيين نفسه بمكارم الأخلاق وخدمته للخلق من غير أن يظهر منه فخر، ولا عجب ولا ِمنّةً على عمل قدمه للآخرين زد إلى ذلك معرفته بزمانه الذي هو فيه وحسن تقديره للأمور وهذه الأمور تتعلق ببصيرة المؤمن واقرأ إن شئت قول الله تعالى خطاباً للرسول سيدنا محمد صلوات الله عليه:

قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ

وفي الختام فشهر رمضان المبارك سيطل على العالم المؤمن وسيكون المؤمنون فيه على موائد التقوى والعمل الصالح وحينما يصلكم كتابي هذا يكون قريباً من دخول مدرسة الصوم في هذا الشهر المبارك وكأني أجلس معكم وأصافح كل أخ لكم أهنئكم بشهر رمضان المبارك، شهر الطاعة والعبادة والخير والإحسان.

سلامي العطر مع سلام زوجتي لأسرتكم الكريمة وخالص تحيتي لكل أحبابكم ومن تذكروني عنده راجياً لحضرتكم كل توفيق ولسائر أحبابكم ولأهلكم الكرام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخوكم المحبّ

محمد بشير الباني

***

الرسالة (7)

الرسالة مؤرخة: 9 شوال 1407 / 5 حزيران 1987.


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

والصلاة والسلام على امام الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

لحضرة الأخ في الله السيد عمر العمادي المحترم حفظه المولى آمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد، فقد وصلني منكم كتاب كريم على شكل بطاقة وهي مباركة بقدوم شهر رمضان فوصلت بعد انقضاء الشهر ثم وصلتني بطاقة تهنئة بعيد الفطر السعيد وشكرت اهتمامكم ومزيد عنايتكم وكنت مدعواً خارج القطر فلما استلمت البطاقتين أحسست نفسياً بأنني متأخر في ردّ الجواب ولكن أسأل الله العلي القدير أن يحفظكم وكل عام وأنتم بخير وأعاد الله سبحانه عليكم وعلى الأهل الكرام وعلى أحبابكم هذه المواسم المباركة والأيام الغّراء بمزيد من الفضل الإلهي والعطاء.

أخي الكريم انقضى شهر الصيام وكم من صائم فاز بما يغذّي عقله وقلبه من أنوار القرآن وغذاء الإيمان وبعض جددوا العزم بأن يفوزوا بدرجات أعلى وتحقيق المزيد من مقام المعرفة وفجّروا ينابيع الطاقة من الهمة العالية ليصلوا إلى نجاح أكبر (بعد انقضاء شهر الصيام).

فأمثال هؤلاء هم أبطال الهمة لهم في كل يوم مزيد من التقدم مع طموح متواصل لاستقبال الأيام المقبلة عليهم، بالعمل مع الواقع الجديد، والعمل المجيد، لإحراز السبق في القليل من الزمن.

ولو كشف حجاب الزمن ورفع حجاب المكان لأبصرت القلوب بعين البصيرة المائدة العظمى التي يضعها الربّ الكريم لعباده (في كل وقت وحين) يفوز بها السابقون الأولون ونرى ليس لهؤلاء من جزاء إلا الجنة ورضاء الله ورضوانه.

وإنا لنرجو من الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم من هذه الزمرة التي تسابق الزمن وما ذلك على الله بعزيز وهذا الأمر لا يتيسر إلا بأن يشعر كل منا بأهمية الدور الذي وكل إليه والمهمة التي يؤديها في خدمة عباد الله والاحسان إلى خلق الله.

والصديق الوفيّ أكبر عون لنا في هذا المضمار وكما تعلم ليسرني دوماً أن ألتقي مع كل محب لله ولرسوله الأمين على مائدة التناصح ودفع عجلة الهمة لما هو أرقى وأعلى. فالمؤمن لن يشبع من خير حتى يكون منتهاه الجنة بل المؤمن يقرأ قراءة عملية قول الله تعالى:

وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا

فعامة الناس وأكثرهم غفلة عن الواجب يستسلمون في معظم الأحيان لطبيعتهم المادية ولمطالبهم الجسدية ولشهواتهم الحسّية مما يدل على غفلتهم عن مستقبلهم الخالد الأبدي. مع أن الإيمان يفرض على المؤمن أن يجاهد هواه ويكبح جماح نفسه وأن يسيطر على بواعث طبعه لينال كرامة الآخرة وعزة الدنيا وكما قيل:

خليلك ما قّدمت من عمل التقى وليس لأيام المنون خليل

فعش خائفاً للموت أو غير خائف على كل نفس للحمام دليل

فمثل هذا التصور يعطيك صورةً واضحةً عن مسعى السابقين للعلياء ولكل امرئ طريقته الخاصة في العمل ولكن الغاية أن لا نضيع ذرة من الزمن إلا في عمل له أكبر النتائج المرضية فاللهم وفقنا لمحابّك من الأعمال وارزقنا صدق التوكل عليك وحسن الظن بك.

فأعمالنا الصالحة مرايا لنياتنا الطيبة وقد قال الرسول الكريم سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:

من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلمه كان له كأجر حاج تاماً حجته

فطوبى لعبد فهم أن الإيمان هو مراقبة الله في سائر شؤون الحياة وفي كل نسك من مناسك العبادات وكل شعيرة من شعائرها. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الجميع يقدم التحية لكم.

محمد بشير الباني

***

الرسالة (8)

الرسالة مؤرخة: 16 تموز 1987 / 19 ذي القعدة 1407.


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

لحضرة الأخ الحبيب السيد عمر العمادي المحترم حفظه المولى آمين

كنت مهتماً في موضوع صحي يتعلق بي حيث كنت متألماً من فتق في البطن في الجهة اليسرى وكان لابد من إجراء عملية تمت والحمد لله بإشراف الدكتور أويس وبيده ، وخرجت من المستشفى، وفي دور النقاهة من الأيام الأولى أتتني رسالتكم الكريمة المؤرخة 4 تموز 1987 فحمدت الله سبحانه على هذا اللقاء بشخصكم الكريم عن طريق المراسلة والكتابة لا عن طريق المجالسة والمشاهدة ولقاء المودة يخفف بعض الألم. ورسالتكم أقرأها أكثر من مرة ولها موقع الصدارة في نفسي ورأيت من الواجب أن لا أتأخر في ردّ الجواب وأنا في السرير أخذت القلم وحررت لكم هذه الكلمات الموجزة؛ والشاعر المحب لله كان يقول تخفيفاً ِلألَمِهِ يخاطب الله جلّ وعلا:

إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس

يشير بقوله فننتكس أي مرارة الألم تظهر عند الغفلة عن الله وهي كلمة فصيحة من الانتكاس.

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول:

من اشتكى منكم شيئاً أو اشتكاه أخ له فليقل: ربنا الله الذي في السماء تقدّس اسمك وأمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين أنزل رحمة من رحمتك وشفاءً من شفائك على هذا الوجع فيبرأ.

وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو وجعاً يجده في جسده فقال له رسول الله :

ضع يدك على الذي يألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثاً وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرتك من شر ما أِجدُ وأُحاذِر.

وعند مالك:

أعوذ بعزة الله وقدرته من شرّ ما أجد. قال: َفَفَعلتُ ذلك فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم.

وقال النبي :

إنما مثل العبد المؤمن حين يصيبه الوعك والحمّى كحديدة تدخل النار فيذهب خبيثها ويبقى طيبها.

فالأدب مع الله عز وجل أن لا نطلب المرض لأننا ضعاف وبنا ضعف ولكن إذا جاء شيىء من عند الله أن نعلم أنه طهور وكفارة.

والآن والحمد لله بدأت أسير نحو الشفاء والدكتور أويس جزاه الله خيراً يأخذ لي المعالجة وقمت من فراشي وكتبت لكم هذه الكلمات حتى لا أتأخر عليكم بالجواب.

وختاماً تحية الأهل لأسرتكم وسلامي العطر لكم ولأحبابكم وأهلكم والسلام عليكم.

المحبّ

محمد بشير الباني

***

الرسالة (9)

الرسالة مؤرخة: مطلع العام الهجري 1408 / آب 1987.


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

لحضرة الأخ في الله السيد عمر العمادي حفظه المولى وبعنايته تولاه آمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد، فقد طوى الناس وطوينا معهم عاماً هجرياً كاملاً كطي السّجل للكتب وأخذت الهجرة مكانها المرموق حديثاً عنها وتبياناً لعظيم شأنها ونطق الخطباء بما حوت وثائق التاريخ شرحاً لواقعها َوِلماَ َرَاَفقها من عظائم الأمور حتى اتُخذ عامها المصاحب لها بدءاً للعام الهجري الأول في التقويم العربيّ.

وبقي علينا أن نتساءل ماذا حقق كل فرد منا في عامه الهجري الذي سلف؟ وماذا يعدّ أحدنا من برامج ومناهج في خدمة خلق الله وعباده فيما سيقدم عليه من أيام وليال؟؟

لقد جعل الله الإنسان في هذا الكون موضع الرعاية والتكريم فقال تعالى:

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا

وأحاطه بنعم لا حصر لها فقال سبحانه:

وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ

وحتى لا يأتي من يحّرم على نفسه الاستفادة من هذه النعم بسط الوحي السماويُ ألواناً من البيان فيها توعية للثروات التي كمنت في باطن الأرض أو ظهرت على وجهها ليتّخذ العالم البحث عنها ويسخّرها لحاجته. وتارةً القرآن يعرض النّعمة بلباس دقة الصنيعة وعظمة القانون الذي تخضع له وتارة يستعرض النعمة بمعرض الحاجة البشرية إليها وأنّها مؤمنَة بين يدي المخلوقات بلا عناء ولا كلفة، وهذه مكانة الإنسان في الحياة وعلاقته بالكون. قال الله تعالى:

وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

فالعبد الصالح في نظر الإيمان: عالم عامل، يعمل ويتأمل، ومخلص أمين على النعم يستفيد منها بنفسه ويفيد أبناء جنسه، فهو شاكر يعمل ولا يضجر، وأمين مؤتمن، ينصح ولا يتكبر. أمين على النعمة ومؤتمن يخدم الناس وينتفع وينفع وبموجز من القول. قال الله تعالى:

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ

فما أجمل المؤمن أن يقتدي بسفراء الله إلى خلقه أَلاَ وهم الرسل الكرام فينتفع من النعم ويشكر المنعم. والله يقول:

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ

فمن الناس يهجر الطيبات ويتبع الخبائث ويؤذي الجنس البشري ثم يعاتب الأقدار وإذا نبّهته أعرض ونأى، وإذا نصحته نظر إليك نظر الذئب إلى الفريسة وفرّ من الخير إلى الشر ومن الإنفاق والعمل الصالح إلى الإمساك والتقتير على نفسه وعلى الناس، همُه إهمال الواجبات، وتضييع وقته. فالموفق الذي يهجر ما نهى الله عنه ولئن حرمنا الهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم أو مع أصحابه الكرام فلا نحرم إن شاء الله بركة العمل بمبادىء الهجرة يقول النبي الكريم:

المهاجر من هجر ما نهى الله عنه

ونقرأ بإمعان وتدبر الدعاء النبوي:

اللهم إني أسألك إيماناً يباشر قلبي حتى أعلم بأنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي ورضّني في المعيشة بما قسمت لي، اللهم اجعلني أعظّم شكرك وأكثر ذكرك وأتبع نصيحتك وأحفظ وصيتك، اللهم اجعل حبك أحب الأشياء إليّ واجعل خشيتك أخوف الأشياء عندي …

وفي الختام أبارك لكم بحلول العام الهجري الجديد سائلاً المولى الكريم أن يحفظك ويحفظ الأهل الكرام وسلامي إلى أحبابكم وأحبابنا جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخوكم في الله

محمد بشير الباني

***

الرسالة (10)

الرسالة مؤرخة: 1 كانون الثاني 1988 / 11 جمادى الأولى 1408.


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

وعلى جميع إخوانه من الأنبياء والمرسلين

وأُخِصُّ سيدنا إبراهيم وسيدنا موسى وسيدنا عيسى

وعلى آل كلٍ وصحب كلٍ أجمعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين

لحضرة الأخ في الله السيد عمر العمادي حفظه المولى آمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


وبعد، فإن العالم بأسره في استقبال العام الميلادي الجديد، وجموع المنصفين وحكماء أهل الأرض على وجه هذا الكون وعلى اختلاف قومياتهم، وألوانهم وأوطانهم، يتساءلون من أعماق قلوبهم وأفئدتهم ماذا ينبغي أن يفهم الإنسان المعاصر في استقبال العام الجديد؟ وماذا ينبغي أن يعمل بعد أن يعلم؟ وهل يلتقط الكون آية قرآنية كريمة يتلوها الكون بأسره وترددها إذاعات العالم ليصدر الناس عنها لفهم حقيقة توضح ما يتناسب عمله؟

هذا الاستفهام يجيب عليه كل فيلسوف وكل حكيم حسب نظرته إلى الحياة. والمسلم كأحد الناس عليه أن يجيب وأن يفهم واجبه من منطلق إيماني وهذا المنطلق يراه المسلم في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة.

هنا يتساءل المسلم ما هي هذه الآية القرآنية التي ستظلل الإنسانية جمعاء حين نطوي عاماً ميلادياً سلف كطي السجل للكتب، ونستقبل عاماً ميلادياً جديداً عند شمس شروقه؟؟

كما يتساءل المسلم ما هو الحديث الشريف الذي علّمناه إياه النبي الكريم والرسول العظيم سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين عليه أفضل الصلاة والتسليم.

إنّ المؤمن إذا أحسن الاصغاء لنداء الوحي السماوي ليرى الصورة الواضحة لتجميع القوى المؤمنة نحو الخير للبشرية جمعاء ونحو إنشاء السلام العادل ونشر الأمن العالمي الشامل. يقول الله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً

ويقول سبحانه أيضاً:

شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِۚ

اضمم هذا النداء إلى آيات كثيرة، فيها نداءات كثيرة جداً، منها يتوضح ما ينبغي فعله في كل مناسبة تقليدية تهتز جوانب الكون باستقبالها.

أما الآية التي تظلل حياة البشر عامة؛ فهي قول الله تعالى:

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا

فمن هذا العرض نفهم بصورة جازمة أن الليل والنهار؛ كالآنية يعظم شأنها على حسب عظم ما يوضع فيها.

فمن استقبل يوم الميلاد بالشكر العملي، والتوبة الصادقة، والإحسان إلى الخلق فقد تزكى وذكر الله، وشكر نعمة الله عليه.

يقول النبي الكريم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام:

ما شئت أن أرى جبريل متعلقاً بأستار الكعبة إلا رأيته وهو يقول:

يا واجد، يا ماجد، لا تزل عني نعمة أنعمت بها عليّ

وقال أيضاً:

النعمة موصولة بالشكر، والشكر متعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قَرَنٍ ولن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد.

أما الأحاديث الشريفة التي يتذكرها المؤمن في ذكرى ميلاد سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام فيكفي في هذا التحرير الموجز أن أذكر بعضها.

يقول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام:

أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة ليس بيني وبينه نبي والأنبياء أولاد علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد

أي إيمانهم واحد وشرائعهم مختلفة. وكلمة علات شرحها على التشبيه بالأخوة لأب فكل رسول من الرسل يأتي أمته بما يتناسب عمله من حيث واجبات التعامل حسب الظرف والبيئة والوقت الذي يعيش قومه فيه. وأما التوحيد وعبادة الله الواحد الأحد فدينهم وعقيدتهم بذلك واحدة.

وقال النبي الكريم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام:

من أدرك منكم عيسى بن مريم فليقرئه مني السلام

فما أجمل هذا التلاقي بصفاء التناصح والحوار الهادف فهم الحقيقة.

وأسأل الله العظيم أن يزيدكم توفيقاً وفي الختام بمناسبة ذكرى ميلاد المسيح ليسرني أن أكرر أشواقي لكل أحبابكم والأقرباء عموماً وأن أخصكم بالسلام العطر والتحيات المخلصة راجياً أن تكونوا أنتم والأهل والجميع في هذه المناسبة قد شاركتم أحبابكم بما يحقق أسمى الغايات.

محمد بشير الباني

***

الرسالة (11)

الرسالة مؤرخة: 20 صفر 1410 / 21 أيلول 1989.


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

لحضرة الأخ في الله السيد عمر العمادي حفظه المولى آمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد، فإنني كنت رجوتكم أن ترسلوا لي بطاقة مفتوحة تكون بمثابة اعلام لي ولسائر أحبابكم عن وصولكم بالسلامة.

وهي لي بمثابة معراج الشكر والحمد على ما تيسر لكم ورمزاً من الحِكَمَ يتفجر بالمعاني الروحية السامية ومفتاحاً لمتابعة مدارج الرقي الروحي والازدياد من سيَرِ الأولين الصادقين الأخيار

وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

والله جلّ وعلا جعل الشكر باباً للمزيد من النعم قال تعالى:

إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ

وإذا كانت رحلتكم إلى طلب العلم تكشف لكم منابع من الخير كما أن مساعدتكم لأحبابكم في موطنكم الآن هي عمل يفيض بالخير.

ولكن أرجو من الله العلي القدير أن يزيدكم عوناً وعناية وأن لا يكون ذلك مانعاً لكم عن إرسال بعض الانطباعات عن التطور الصناعي والاجتماعي بمقدار ما تسنح لكم الفرصة، فتلك نجوم من المعرفة تعطي الدعاة قوة على فهم روح العصر.

وفي الختام وبصراحة أقول لكم: نحن في ظمأ لرسائلكم وكم تذكرنا مع الدكتور أويس أشواقنا وكم ذكرت له تقصيري في تقديم ما يجب نحوكم وكنتم من السابقين في زباراتنا فلكم مزيد الشكر والامتنان. والجميع بخير واسرتي تسلم على اسرتكم وإن شاء الله نرجو عما قريب أن تصلنا رسائلكم ونزداد اطمئناناً على الجميع.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخوكم في الله

محمد بشير الباني

***

الرسالة (12)

الرسالة مؤرخة: 24 رجب 1410 / 19 شباط 1990.


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين

لحضرة الأخ في الله السيد عمر العمادي المحترم حفظه المولى آمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد، فقد وصلتني كتب ورسائل وكررت تلاوتها وخصصت الأحباب بموجز عن فحواها لأعلمهم عظيم نعمة الله على هذا التوفيق الإلهي الذي يصاحب المؤمن في سفره وحضره، وفي حلّه وترحاله.

وأرجو من الله العلي القدير أن يهيئ لكم أعلى درجات المعرفة وأرقى الدراسات ليرى الناس قاطبة أن السفر، يسفر عن أخلاق الرجال، ويهيئ الفرص الثمينة لكسب أبطال الرجال.

إن حرص المؤمن على الحكمة في السير مطبقاً وصايا أحباب الله، ووصايا الحكمة التي تضمنتها أقوال الرسل الكرام والأنبياء العظام وخاصة هدى سيد الأنام إمام الأنبياء والمرسلين وسرني جداً سيركم الذي كان جدياً للغاية، والذي يصور التلاحم المثالي بين الدين والثقافة، وهو صورة ناطقة لبناء المجتمع المزدهر بالعمل المثمر كلّ برّ وخير.

وليسوا سواءً من يحاولون هدر الوقت وراء الإسراف في العادات السيئة ومن يكدح للوصول إلى الثقافة المعاصرة محتفظاً لنفسه الجوانب الأخلاقية والعلمية والسّير الحكيم.

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:

الحكمة ضالّة المؤمن أينما وجدها التقطها

ويقول:

كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك

ويقول:

المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل

ويقول:

نعم المجلس مجلس ينشر فيه الحكمة …

ويقول:

ليس هدية أفضل من كلمة حكمة

كم ساعدت هذه الدرر من القول على كسب التقدير العالي (لمن يلتزمها عملاً) أمام من يتوافد إليكم لأخذ المشورة من مختلف الأقطار، وفي وقت فشا فيه بريق زائف من المفاسد يكاد سنا برقه يخطف عقول وقلوب كثير من الشباب ويذهب بالبشرية إلى إبادة نفسها.

ولا ريب أن في العلم ومكارم الأخلاق والنضج في العقل وحسن الأداء والتطبيق لثروة لحياةٍ فيها إنقاذ العالم.

وهذه هي القواعد التي تقيم جسور التعاون بين الشعوب والأمم وهي التي تقيم الأسس المتينة لتبادل المعلومات التي تخدم مصالح الإنسانية في واقعها الاجتماعي والاقتصادي والإنتاجي وسائر أوجه النشاط المثمر أعلى درجات التقدم والازدهار والسعادة دنيا وأخرى.

وكم الأمم بحاجة إلى من يبني ويعمّر القلوب ويزكي النفوس لنصل إلى هذا السير السليم.

وأرجو من الله العلي القدير أن يحقق الله جلّ جلاله على يديكم ويد أحبابكم أعلى درجات التوفيق.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ولكم السلام العطر من السيد أويس وأسرته شقيقتكم التي شرفتنا وأبلغتنا أشواقكم وأسرتي أم عبد الله تقدم تحيتها الخالصة لأسرتكم الكريمة وترجو لها وافر القوة والصحة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمد بشير الباني

***

الرسالة (13)

البطاقة مؤرخة: 1411 / 1991.


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

لحضرة السيد عمر العمادي المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد، فإني سافرت عقب المجيء من الحج والزيارة ولم أتمكن من الاتصال بكم فأحببت أن أرسل لكم هذه البطاقة المستعجلة تمهيداً لإرسال تحرير مفصل وأشكر الله العلي القدير على ما رزقكم من مولودة مباركة، أقدم لكم أشواقي ومباركتي.

محمد بشير الباني

***

الرسالة (14)

الرسالة مؤرخة: 7 شعبان 1413 / 30 كانون الثاني 1993.


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد

وعلى سيدنا إبراهيم خليل الله وعلى سيدنا عيسى وسائر الأنبياء والمرسلين

صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين

لحضرة الأخ في الله السيد عمر العمادي حفظه المولى ورعاه برعايته آمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


وبعد، ليسرني أن أنقل إليكم تحية أحبابكم جميعاً وشوقهم وقد أنهى السيد عبد الرحمن (قطيط) الذي كان في اليابان جميع دراساته العليا واستحق ما يعادل لقب دكتور في الهندسة. وهكذا من أحبّ أن يرتبط ارتباطاً كاملاً بالإيمان يتابع تحصيله في أمور العلوم الحياتية ليأخذ مكانة عليا تؤهله لمواقع الصدراة.

من هذه النافذة يدعو إلى معرفة الله ومحبة الخير لعباد الله فيكون تأثيره أبلغ لأنه يكلم الناس من منطلق قوة علمية لها موقع الصدارة في نفوسهم.

وهنيئاً لمن وفقه الله عزوجل لفهم لسان العصر فنفذ إلى قلوب العباد بلغتهم وفي عالمنا اليوم وللأسف الشديد كثير من الشباب يرون تنفيذ هذا المنهج من الصعوبة بمكان؛ لا سيما كثير من المؤمنين تراهم بمكانة لا يغبطون عليها لأنهم مقصرون في فهم متطلبات العصر من التكنولوجيا والعلوم الحديثة مع أن هذه العلوم ترتبط ارتباطاً كاملاً بالمجتمع الذي يعيشون فيه.

والعلم والعقل قاربان للنجاة لمن يحب أن يحيا حياة رشيدة وسعيدة بعد أن يرزق المؤمن حقيقة الإيمان.

ومن القواعد العامة أن النفس الإسانية النبيلة تطلب معارج الكمال وترتاح سروراً بالأكمل بعد بلوغها الكمال، وبالأحسن بعد الحسن، وبالأجود بعد الجيد وكلما نالت مرتبة رغبت بالظفر بأعلى منها واندفعت بحزم وارادة صلبة هادفة السّير الأسمى.

وقد جاء الإسلام ملبياً هذا الطموح، مثنياً على من كان له هذا الارتقاء. ففيما رواه سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما وعليهما السلام أن رسول الله (ص) قال:

إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفاسفها

أي يحب عظائم الأمور ورفيع الشأن منها ودفع الإسلام من لهم هذه الهمة العالية إلى الارتقاء في ميادين التقاط الأعمال الصالحة. وقال الله جل جلاله في محكم التنزيل:

الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ

وقال صلى الله عليه وسلم:

خير الناس أنفعهم للناس

وقال أيضاً:

الخلق عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله

راجياً لكم في الختام إكمال تحصيلكم على أعلى المستويات وسلامي العطر لكم ولأهلكم ولأصدقائكم الكرام والله يحفظكم ويرعاكم مع تقديم الشكر لكم على هواتفكم المتكررة.

جعلنا الله عز وجل بفضله ممن يحوز رتب الكمال بعد الكمال والأعلى مقاماً في الدارين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخوكم المحب

محمد بشير الباني

***

الرسالة (15)

البطاقة مؤرخة: 1413 / 1993.


بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

لحضرة الأخ في الله السيد عمر العمادي المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد، فقد ذكرتكم في أحب البقاع إلى الله عقب صلاتي وعبادتي ورجوت الله العلي الكبير أن يرافقكم التوفيق والعناية وأن تنجحوا في رسالتكم الدكتوراه بتفوق وإن شاء الله سيتحقق لكم ما ترجونه، وسلامي العطر لجميع أحبابكم.

محمد بشير الباني

***

ملحق (أ):

صور عن بعض رسائل الشيخ محمد بشير الباني






ملحق (ب):

صور عن بعض وثائق الشيخ محمد بشير الباني


أوج الكمال – الصف الثالث (دون تاريخ)


امتياز – (1922)



إكرام عزيز – الصف السادس



أوج الكمال – الصف السادس (1927)



شهادة التحصيل الابتدائي



بكالوريا التعليم الثانوي – شعبة الرياضيات



إجازة في الحقوق



شهادة الأختصاص العلمي للتدريس الديني



Comentarios


bottom of page